تعلمت تقنية التصوير بالموجات فوق الصوتيه هندسياً، وتطبيقاتها الطبيه، سافرت إلى NIH /المعهد الوطني للصحه بالولايات المتحدة، وتتمثل مهمته في البحث عن المعرفة الأساسية لطبيعة وسلوك النظم الحية، وتطبيق تلك المعرفة لتعزيز الصحة وتغيير نوعية الحياه للأحسن، والحد من خلال هذه الأعمال من الأمراض والإعاقة، ورأيت فجوة صناعية وفجوة مهولة في البحث والتطوير بين بلادنا وبينهم وتمنيت أن أحقق أي خطوة في هذا المجال، كانت الهندسة هي الساحر الذى يحقق الخيال ونقله إلى واقع، كان تصوير الأنسجة داخل البطن مثل الكبد، والمرارة، والكلى والأجنه امرلا يمكن تصوره في ذلك الوقت، وكان المثل في ذلك الوقت، “افتح البطن وانظر السبب خيرمن أن تنتظر وتعرف الإجابه”.. كانت أمامي الفرص الكثيرة لكى أعمل في ممارسة الأعمال التجاريه في مجال أجهزة الموجات فوق الصوتية وغيرها من الأجهزة وأن تتحول حياتي إلى تطوير آخر على مستوى التفاعل البشري، ومزيد من تكتيكات السوق واقتصاديات الأعمال، وفهم عميق للتدفق النقدي، والوسائل لزيادة المعرفه في هذا الإتجاه، و التحول للإستثمار المالي المحسوب، وكان هذا الإتجاه لا غنى عنه لكي أنجح في مجال ممارسة الأعمال التجارية. ولكنى توقفت وفي لحظة واحدة لم أختر هذا الإتجاه، وإخترت الطريق الأصعب وهو تعلم علوم الهندسة الطبية وهى ما وجدت فيه العمل النافع الذى أعبر به هذه الحياة، فهذا التخصص يتطلب تطويراً شاملا للتحصيل وفهم مجالات محددة فى كثير من علوم الهندسة، والطب، وهذا يتطلب الصبر للدراسة النظرية لهذه العلوم والممارسة العمليه لها وبعدها النقل إلى الواقع بالتنفيذ الهندسى، لأن العلم يدور حول الملاحظة والتجارب وبعدها حل المشكلات الواقعية في هذا المجال.
فتتلمذت على أيدى أعظم علماء هذا المجال في هذا الوقت مثل جون ريد الذى عمل على التشخيص الطبي بالموجات فوق الصوتية في جامعة مينيسوتا ومستشفى سانت بارناباس، مينيابوليس، وعمل على تشخيص أنواع الأنسجة باستخدام الموجات فوق الصوتية وطور أول ماسح بالموجات فوق الصوتية مع جون جيه وايلد. ومثل رون هيلمان وكان مهندسا لأول شركة عالمية أنتجت أجهزة الموجات الصوتيه للتشخيص الطبى فى كولورادو بالولايات المتحده. وويلزWells PNT الذى قدم عددًا من المساهمات البارزة في تطبيق الهندسة والفيزياء في الطب، وهو مُنشئ ومُطور أدوات الجراحة بالموجات فوق الصوتية وقياس طاقه الموجات فوق الصوتية، وكذلك ماسح الموجات الصوتية للأغراض العامة ثنائي الأبعاد، وماسح الثدي بالموجات فوق الصوتية، وكان مكتشفًا لخاصية إشارة دوبلر بالموجات فوق الصوتية لخصائص الأوعية الدموية للأورام الخبيثة وقام بدراسة الآثار البيولوجية للموجات الصوتية، وصاغ إرشادات وشروط السلامة بالموجات فوق الصوتية فى الإستخدامات الطبية. وعملت مع آخرين من علماء هذا الوقت وفي هذا المجال من علماء الطب والهندسة، وتعلمت تكنولوجيا الموجات الصوتية وتطبيقاتها من الأطباء الرواد فى ذلك الوقت. كما درست أول ماسح ضوئي خطي تجاري في الوقت الحقيقي real time ultrasonography مع شركه ADR وهي شركة صغيرة أسسها مارتن ويلكوكس في تيمبي أريزونا وفي البداية كان يحتوي الجهازعلى 64 خطاً فقط فى الصورة، لذا كانت الدقة رديئة، لكن الإصدار الثاني من ADR 2130 في عام 1975 كان لديه أكثر من 500 خط، وأمكنه أن ينافس الشركات الأخرى. أنتجت معظم شركات الموجات فوق الصوتية معدات في الوقت الحقيقي أى ترى الصورة فى نفس وقت الفحص real time ultrasonography , ورأيت تطور Acuson 128 بواسطة Sam Maslak في عام 1983 مع برنامجها المتطور لتشكيل حزمه الموجات beam former داخل الجسم (يسمى “التصوير الصوتي المحوسب”) ووضع معايير جديدة لكل من الدقة المكانية والتباينيهspatial and contrast resolution . وفي عام 1985 رأيت كيف طورت Kretztechnic أول مجس ميكانيكي مهبلي والذي تم تصميمه لتحسين تقنية جمع البويضات في التلقيح الإصطناعى وقدمت هذه المحولات صورًا ممتازة، لكن اهتزازات المجسات الميكانيكية كانت عيبًا، وبحلول نهاية التسعينيات من القرن الماضي، طورت معظم الشركات المصنعة مجسات صغيرة متعددة العناصر توفر دقة ممتازة.
بحلول عام 1985، قامت Aloka بدمج تصوير Doppler بالألوان (يُطلق عليه تدفق الألوان فى الاورده والشرايين) في معداتها في الوقت الفعلي، وقد تبع ذلك بسرعة الشركات المصنعة الكبرى الأخرى. بحلول عام 1990 كان اللون متاحًا على المجسات المهبلية لفحص أمراض النساء وبحلول نهاية التسعينيات من القرن العشرين، تم تقديم التصوير التوافقي Harmonic imaging الذي زاد من تحسين دقة الصور, الدراسات المبكرة حول التصوير ثلاثي الأبعاد تعلمته في النمسا لدى شركه Kretztechnic وتم تطويرها فى اليابان بواسطة Kazunon Baba في عام 1984، إلا أن إنتاج الجيل الثالث من 530D Voluson في منتصف التسعينيات أكد أن الموجات فوق الصوتية 3D / 4D كان لها دور في التصوير لحالات التوليد وأمراض النساء وغيرها من التخصصات الطبيه، زرت شركه kretztechnic فى النمسا وكانت أول شركة عملت في التصوير ثلاثى الأبعاد فوجدت أن الشركه قائمة على عائلة Kretz وبها أخوين من المهندسين الأفذاذ وقد إستخدما مالهما الخاص في البحث لتطويرالموجات الصوتية. وعندها أدركت أن الطريق الحقيقي لنقل أى تكنولوجيا أو إستحداثها، هو البحث والتطوير، وأدركت أن الله قد جعلني في وسط أحداث البحث والتطوير لكوني عضواً مؤسساً بقسم الهندسة الطبية وأن كل ما يمكن عمله لا يمكن أن يتم إلا بتكوين مدرسة علمية داخل هذا القسم من المهندسين المتخصصين في هذا النوع من التكنولوجيا، وهى مدرسة قمت بالمساهمة في تأسيسها فى ذلك الوقت ورأيت على مدى سنين عمري ثمرة هذا الجهد متمثلة في كثير من خريجي هذا القسم وقد أصبحوا روادا لمختلف بحوث الهندسة الطبية في مختلف أنحاء العالم، كما ساهمت في بناء أول وحدة للموجات الصوتية في مصر (مركز نقل التكنولوجيا) بالقصر العيني وعلمت يقيناً أن العلم وتعلمه هو مفتاح المستقبل، وأن الدراسة بالكليات لا تكفي للوقوف على أرض الواقع وأن الدراسة يجب أن ترتبط بالتطبيق المهني لموضوعات صحيحة ونافعة. وفى إطار تتزايد محصلة ما أفعل قررت عمل ماجستير فى علاج الاورام بالإشعاع والطب النووى، وكان تصوري أن هذا التخصص به من العلوم الإشعاعيه والفيزيائة، والهندسية وبه من الأوجه العلمية المتداخلة مع الهندسة الحيوية ما سيثرى لدى كثير من العلوم وهذا كله قد يساعدني في بحوث المسقبل، من خلال دمج العلوم الفيزيائية والهندسية مع العلوم الحيويه للنهوض بهذه بالبحوث. … وفى إطارالعمل داخل القصرالعينى أثناء عمل الماجستير إنفتح باباً آخر من التطبيقات الهندسية فى العلوم الإكلينيكيه ..
ومن خلال إشراف مشترك بين جامعه القاهرة ومعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا ببوسطنMIT حصلت على أول منحة لإتمام رسالة الدكتوراه فى الهندسة الطبية، وكانت فى تطبيقات الموجات فوق الصوتية للتشخيص والعلاج لحالات الإصابه بالبلهارسيا والمؤدية لتليف الكبد….
وأتممت مجمل أبحاثى في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا وهو جامعة أبحاث خاصة، تأسست في عام 1861 استجابة للتصنيع المتزايد في الولايات المتحدة. اعتمدت MIT على نموذج جامعة البوليتكنيك الأوروبي، وهو أعلى معهد مختبري في العلوم والهندسة التطبيقية فى العالم، وقد أتممت أبحاثى فيه. اخترت موضوعا يهم كثير من المصريين وهو ارتفاع ضغط الدم بالوريد البابي، بسبب تليف الكبد بعد الإصابه بالبلهارسيا -أو عمومًا لأسباب أخرى- وهذا يسبب تغييرات الدورة الدموية التي ترتبط ارتباطا وثيقا بأمراض الكبد. وإستطعت من خلال نماذج مبسطة ومحددة للمريض معرفه التغيرات في الدورة الدموية للكبد مع تطور الحاله المرضيه مع العلاج، وقمت بإتمام عمل نموذج بالحاسب الألى لمحاكه تدفق الدم فى الكبد فى حالات إصابته بالتليف وأتممت هذه الدراسة بتعاون مشترك مع كلية الطب بجامعه هارفارد، وكان يربطها تعاون وثيق مع معهد ماساشوستس لنوعيه هذه الأبحاث في ذلك الوقت.
كما حصلت على منحة من نفس المعهد لدراسة علاج الأورام باستخدام الموجات فوق الصوتية المركزه فى العلاج بطاقات عالية، مع إستخدام الموجات الصوتية للتشخيص في تحديد أماكن الأورام أو ثانوياتها في نفس وقت الجلسات، وقد أصبحت الآن جراحة الموجات فوق الصوتية المركزه (focused ultrasound) هي تقنية موسعة، باستخدام مزيج من الموجات فوق الصوتية المركزة عالية الكثافة (HIFU) مع طريقة للتصوير اثناء العلاج، وهذه الموجات لديها القدرة على التخلص من الثانويات الورمية على وجه التحديد وتنطوي على تأثيرات ميكانيكية وحرارية، وفى التطورات الحديثة تمت بها تحقيق بعض النتائج الواعدة في علاج مختلف الأورام الخبيثة، بما في ذلك البنكرياس والبروستاتا والكبد والكلى والثدي والعظام، وتشمل التطبيقات الأخرى أورام المخ. ومن خلال هذه الأبحاث حصلت على درجة الدكتوراه فى الهندسة الطبية، ومن قبلها على درجه الماجستير فى علاج الأورام بإستخدام التأثيرات الحراريه المركزة للموجات الصوتيه، ومع مرور السنين زادت الفجوه في البحث والتطوير، والصناعة والتكنولوجيا، بين بلادنا وعموم الغرب والشرق، وزاد العمى لرؤية مستقبل العلم والجهد الذى يبذل من أجله دون إنتظار لأجر، رحم الله الشيخ الغزالي فقد لخص هذه الفجوه في كلمات من ذهب فقال: الويل لأمة يقودها التافهون، ويُخزى فيها القادرون، ولا أدري لماذا تهتاج أمة لهزيمة رياضية ولا تهتز لها شعرة لهزائمها الحضارية والصناعية والاجتماعية، التدين المغشوش قد يكون أنكى بالأمم من الإلحاد الصارخ ، إذا أردت أن تغير وضعًا خاطئًا فعليك بتجهيز البديل أولًا قبل أن تبادر بتغيير هذا الوضع، من المألوف في تاريخ النهضات أن اليقظة العقلية تسبق دائمًا النشاط السياسي والاجتماعي.. وأضيف أننى تعلمت أنه لا مكان في هذا الوجود للمصادفة العمياء, ولا للصدف العارضة ((إنا كل شيء خلقناه بقدر)) ولا يمكن بناء شىء إلا بالعمل الصادق لوجه الله والجزاء من عنده وقد يكون فى الدنيا ولكن الجزاء الحقيقى فى الاخره، وحكمة الله العميقة فى الجزاء قد لا تتكشف للنظرة الإنسانية السطحيه القريبة.